تعريف التوطئة في النحو العربي
التوطئة في اللغة
تعني التوطئة في اللغة التمهيد والتذليل للشيء وتهيئته، نقول وطَّأتُ لك الأمر، ووطأتُ لك الفراش، ووطأتُ لك المجلس توطئةً؛ ويقصد بها أنني مهدته وسهلته وهيأته، والوطيء من كل شيء هو ما سَهُل ولان وفراش وطيء: أي لا يؤذي جنب النائم.[١]
التوطئة في الاصطلاح
وفقا لما تبين من عبارات النحويين وشروحاتهم للتوطئة فإنه يمكن تعريفها بأنها تهيئة اللفظ في الكلام وذلك من أجل الإشارة إلى ما هو مهم، كما يمكن تعريفها بأنها توطئة للفظ في بداية الكلام لما سيأتي بعده، لتسهيل وقوعه في نفس المتلقي للكلام.[١]
لوازم التوطئة
هنالك العديد من الأدوات التي تلازم التوطئة، ويكون الهدف منها إصلاح التركيب، وإحداث التوكيد وإزالة الغموض، وبالتالي توضيحها:[١]
مظاهر التوطئة
تعتبر التوطئةَ تمهيداً وتهيئة للمعنى، ولها العديد من المظاهر في نَحْونا العربيِّ وهي كالتالي:
توطئة النظرية النحوية
أوجبت المنهجيَّة العلميَّة على مرِّ العصور أن يطرَح صاحبها النظرية التي جاء بها، والفكرةَ التي اهتدى إليها، ومن ثم يتبعُها بتطبيق يكشف عن دقائقها، الذي يوضح جزئياتها لذا قيل: "إنما قُدِّم المعرب على الإعراب، نظرًا إلى تقدُّم المحلِّ على الحال".
توطئة باب نحوي لآخر
لوازم تهيئة الحركات الثلاثة لأحرف العلة؛ يُقال في حال رفع الأسماء الخمسة: (حضر أبوك، وجاء أخوك)، وفي حال نصبها: (أكرمت أباك، وقابلت أخاك، ورأيت حماك)، وفي حال جرها: (مررت بأبيك، وسلمت على أخيك)، فهل تعتبر الحركات السابقة لحروف العلة الثلاثة حركات إعراب؟ لا، لأنها تغيرت تمهيدًا لأحرف العلة التي بعدها؛ لأنها من جنسها.
توطئة الجملة لأن يعمل ما قبلها في معناها
لزوم فتح همزة (إنّ) توطئةً لأن يعمل ما قبل جملتها في معناها؛ من المعلوم أن العرب إذا أرادت تهيئة الجملة وتوطئتها لأن يعمل الفعل الذي سبقها في معناها وأن تجعلها في معنى الحديث، عمدَتْ إلى فتح الهمزة، ومن الأمثلة على ذلك قولهم: (علمتُ أنَّ الحق واضحٌ، أيقنتُ أنَّ الباطل زهوقٌ)، على الرغم من أنّه ليس بين إنّ المكسورة والمفتوحة فرقٌ في المعنى.
توطئة حركة لحرف
يلاحظ الدارسون العرب تغيُّرَ الحركات على الباء والخاءِ والميم والفاء والنون والذَّال قبل أحرفِ العلَّة الثلاثة في الأسماء الخمسة، وذلك في ثلاث أحوال هي الرفع والنصب والجرّ، فتقولُ: حضر أبُوك، وجاء أخُوك، وسافر حمُوك، وتقول: أكرمتُ أبَاكَ، وقابلت أخَاكَ، ورأيتُ حمَاك، وتقول: مررتُ بأبِيك، وسلمت على أخِيك.
الحال الموطئة
الحالُ الجامدةُ الموصوفة تُسمَّى حالًا موطِّئةً - بكسر الطاء - عندَ الجمهور؛ وذلك لأنها ذُكِرت تمهيدًا للحديث عما يأتي بعدها، فهي غيرُ مقصودةٍ لذاتها؛ وإنما المقصودُ صفتُها التاليةُ لها، وما هي إلا وسيلةٌ لذكرها والموطِّئة هي صفة الحال، لا الحالُ الموصوفة.
اللام الموطئة
لزوم دخول اللام على الشرط توطئة لبيان أنّ الجواب للقسم لا للشرط: ينبغي أولا تعريف لام توطئة القسم؛ فهي اللام التي تدخل على الشرط بعد تقدم القسم من الناحية اللفظية أو التقديرية، إذ تبيِّن أن الجواب للقسم لا للشرط، علما أنها ليست جواب القسم ولأنَّ ما يأتي بعد الشرط هو الجواب. وهذه اللام الموطئة هي اللام التي تدخل على أداة الشرط.
توطئة حرف لحكم نحوي
لزوم إدخال (ما) على (رُبَّ) تمهيدًا لدخولها على الجمل الفعلية؛ من المعلوم أن (رُبَّ) من حروف الجر التي تدخل على الاسم الظاهر وعلى النكرة على وجه خاص، ولكن النحويين أقروا أنه ينبغي زوال اختصاصها بالاسم في حال دخلت عليها (ما)، وأوضح الزمخشري أنّ دخول (ما) على (رُبّ) يزيل عنها اختصاصها بالدخول على الاسم، وتمهِّد لها الدخول على الفعل، ولزوم إدخال (ما) على إنّ وأخواتها تهيئة لدخولها على الجمل الفعلية: إذ اعتبر النحويين أن اتصال (ما) الزائدة بإنّ أو إحدى أخواتها أو اتصلت ب (رُبَّ) كفَّت (إنّ) وأخواتها عن العمل في الجملة الاسمية، ولذلك السبب يطلق عليها (ما) الكافّة، ومنعت اختصاصها للجملة الاسمية ومهّدت لدخولها على الجملة الفعلية، لذلك سميت بما الموطئة.
توكيد الضمير المنفصل بالمتصل تمهيدًا لتوكيده بالنفس والعين
توكيد الضمير المنفصل توطئة لتوكيد الضمير المتصل؛ عندما نريد توكيد ضمير الرفع المتصل فلا بد من تهيئته بضمير فصل، وقد قال ابن عقيل بأنه لا يجوز توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو العين، إلا بعد تأكيده بضمير منفصل، فيُقال: قوموا أنتم أنفسكم، أو أعينكم، ولا يقال: قوموا أنفسكم. ومن المعلوم أنه في حالة الحاجة إلى توكيد الضمير المرفوع المتصل بتوكيد لفظي (النفس، العين)؛ فإنه يتوجب في بادئ الأمر توكيده بضمير مرفوع منفصل في سبيل التوكيد اللفظي بالمرادف، ولهذا الأمر سببان هما: حدوث لبس في بعض مواضع الكلام، مثل أن يُقال: (سُعادُ ذَهبتْ نَفسُها، وفاطمةُ خَرَجـتْ عَينُها). وذلك لأن عدم وجود الضمير المرفوع المنفصل يشير إلى احتمال أن تكون نفسُ سعادُ ذهبت وعين فاطمة خرَجَتْ، والأجدى أن يُقال: (سعادُ ذهبت هي نفسُها، وفاطمةُ خرجت هي عينُها) إذ ليس هناك لبس. والسبب الثاني هو أن الضمير المرفوع المتصل يكون بمنزلة الجزء، فأبوا أن يجعلوه مؤكدًا أولًا بمستقل من غير جنسه فقاموا بتأكيده بمستقل من جنسه وبمعناه، والمقصود هنا (الضمير المنفصل المرفوع)، وذلك ليكون تمهيدًا لتأكيده بالمستقل من غير جنسه، وهو النفس والعين من الأسماء الظاهرة، ولكن في حال كان المؤكد من الأسماء الظاهرة أو ضمير نصب أو ضمير رفع منفصل، فلا يلزم هذا الشرط، بسبب فقد السبب الموجب له.
النعت الموطِّئ
لزوم الحال الجامدة للنعت المشتق؛ إن الحال الموطئة هي الحال الجامدة الموصوفة بمشتق أو شبهه، ومن المعلوم أنّ التهيئة للنعت بالمشتق الذي يجيء بعدها أو شبهة، فهي غير مقصودة لذاتها، وإنما المقصود صفتها التالية لها، وما هي إلا وسيلة مهيئة.
ومن اللوازم أيضًا؛ لزوم (أي) الموصولة للمنادى المُعرَّف بـ (ال)؛ إذ لا يجوز دخول أداة النداء على الاسم المعرف بـ (ال)؛ والسبب في منعه أنه لا يجوز الجمع بين علامتي تعريف في كلمة واحدة، وبذلك لا يجوز الجمع بين أل والإضافة، وإن كان لا بدّ من نداء ما فيه (ال)، فيتوجب التهيئة لذلك، وتكون بإدخال حرف النداء على (أي) الموصولة، وخلاصة القول أن من لوازم التوطئة دخول (أي) الموصولة على المنادى المُعرَّف بـ (ال)، وكذلك وجود جملة الصلة بجانب الاسم الموصول، وإن لم يُوضع يصبح غامضًا غير واضح الدلالة، وبذلك يكون وجود الصلة معه لازمًا، كتوطئة لتوضيح المراد منه.[١]
لزوم حذف التنوين وما ينوب عنه من المضاف؛ في حالة إضافة اسم لآخر فإنه يحذف من الأول التنوين، أو نون المثنى أو نون جمع المذكر السالم؛ كتوطئة لقبوله الإضافة، وبذلك يكون لزوم الحذف من أجل صحة الإضافة.
لزوم تغيير صيغة الفعل المبني لما لم يسم فاعله؛ وذلك حينما يحذف المتكلم الفاعل من هذا الكلام، ويُكتفى بذكر الفعل والمفعول، فيوضع المفعول مقام الفاعل، وحينئذ يجب تغيير صورة الفعل وصيغته، فيحول الفعل من مبني للمعلوم إلى مبني لما لم يسم فاعله بتفاصيل ذكرها النحويون، وإنما يحصل ذلك بغرض توطئة الكلام للحالة الجديدة التي صار إليها الكلام.[١]
أمثلة على التوطئة
من المعلوم أنّ اللغة العربية بحرٌ واسعٌ في الجمل والعبارات والكلمات التي لا حدود لها، فيجد الدارس كل ما يحتاج إليه من أمثلة وعبارات، وهذه بعض الأمثلة على التوطئة:
- مثال على لزوم إدخال ما على إن وأخواتها قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [٢]وقال امرؤ القيس:
فَلَو أَنَّ ما أَسعى لِأَدنى مَعيشَةٍ
:::كَفاني، وَلَم أَطلُب، قَليلٌ مِنَ المالِ
وَلَكِنَّما أَسعى لِمَجدٍ مُؤَثَّلٍ
:::وَقَد يُدرِكُ المَجدَ المُؤَثَّلَ أَمثالي[٣]
- مثال على لزوم إدخال (ما) على (رُبَّ)، توطئةً لدخولها على الجمل الفعلية؛ قال تعالى: {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [٤]
- مثال على لزوم فتح همزة (إنّ)، توطئةً لأن يعمل ما قبل جملتها في معناها؛ قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [٥]
- مثال لزوم دخول اللام على الشرط توطئة لبيان أنّ الجواب للقسم لا للشرط؛ قوله تعالى: (والله لإن أنصفتني لأنصفنَّكَ).[١]
- مثال على لزوم توكيد الضمير المتصل بالمنفصل توطئةً لتوكيده بالنفس والعين؛ مثل أن نقول: (قُم أنت نفسُكَ، وقُمتَ أنتَ نفسُكَ، وقمتما أنتما أنفُسُكما، وقمتم أنتُمْ أعينُكُمْ، وقمتُنَّ أنتُنَّ أعيُنُكُنَّ)[١]
- مثال على لزوم (أي) الموصولة للمنادى المُعرَّف بـ (أل)؛ قوله تعالى: {يا أيُّها الناس}[٦]