نُواجه اليوم في حياتنا المعاصرة العديد من التَّحدّيات ونخوض فيها معاركنا لمواكبة كلّ ما هو حديث، ولعلّ من أبرز هذه التحديات توفير كل ما هو جديد على جميع الأصعدة، وتقديمه ضمن قالب إبداعيّ جذّاب، وبكلمات مُنمَّقة مُوجَّهة إلى الملايين من القُرّاء الذي يتطلّعون دائما إلى إضافات جوهريَّة وحقيقيَّة كلّ يوم، ولرُبَّما يحتاج المرء إلى مهارة كتابيَّة خلّاقة تساعده في تحقيق ما يصبو إليه، وتجاوز ما يواجهه من تحدِّيات خلالها، فما هي أبرز التَّحدِّيات الشّائعة في الكتابة؟ وكيف يمكن للكاتب التَّغلُّب عليها؟ في هذا المقال الإجابة الوافية عن ذلك كلّه.
تحدِّيات شائعة في الكتابة
تذكَّر على الدَّوام أنّ العمل الذي لا يمرّ بتحدّيات هو عمل روتينيّ يُشعِر صاحبه بالملل، ولا يصقل موهبته، وتُعدّ الكتابة عملاً مهمّاً في شتّى الميادين، وفي ما يأتي 10 تحدِّيات تُواجه أولئك المُهتمِّين بها:
فقدان الدّافع
يحدث كثيراً أن يفقد الكاتب شغفه أو دافعه للكتابة؛ نتيجة للعديد من العوامل، كالخوف من النّتيجة النِّهائيَّة، أو الأحكام المسبقة عليه؛ كتوقُّع عدم نجاحه أو رواجه، أو حتّى مقارنته بغيره من الأعمال، أو ما إلى ذلك.
قِلَّة الأفكار أو اضطرابها وعدم ترابطها
إذا شعرت أثناء الكتابة أو بعد الانتهاء منها بأنّك لم تتمكّن من الإضافة إلى نصِّك إضافة نوعيَّة، فاعلم أنّك تعاني من العجز عن الإتيان بأفكار جديدة، أو أنّك تحاول إجبار نفسك على الكتابة، ممّا يجعل النّتيجة مملَّة مُنفِّرة للنَّفس، وفي أحيان أخرى قد تكون قادراً على الإتيان بما هو جديد من الأفكار، إلّا أنّه لا يمكنك الرَّبط بينها ربطاً مُتسلسِلاً ومنطقيّاً، أو قد تناقض بعضها بعضاً.
الضعف اللغوي
إذ تواصل في كتاباتك استخدام الأساليب نفسها، والصِّياغات المألوفة عادةً، أو استخدام ألفاظ ومعانٍ سطحيَّة دون أن تتعمَّق فيها.
الخروج عن موضوع النَّص
وهذا الأمر من شأنه أن يتسبَّب بتشتُّت ذهن القارئ؛ فلا يعود مُدرِكاً للهدف المنشود من النَّصّ الذي يفقد بدوره تماسكه وترابطه.
التَّسويف والكسل
ويكون ذلك عادة بتأجيل البدء في الكتابة ممّا قد يؤدّي إلى ضياع الأفكار المُحدَّدة.
التَّعب الجسديّ ونقص الإنتاجيَّة
ترتبط زيادة الإنتاجيَّة بالدّافعيَّة والوقت والطّاقة ارتباطاً وثيقاً، فإن غاب أحد هذه العناصر لم يتحقَّق الهدف المنشود، ولعلّك تُدرك أنّ قلَّة النَّوم والإرهاق البدنيّ من أهمّ أسباب نقص الطّاقة والدّافعيَّة للإنجاز، ممّا يعني الشُّعور بالخمول وبالتّالي نقص الإنتاجيَّة.
نقص الثِّقة بالنَّفس
إن لم تمتلك الثِّقة بنفسك، فإنَّك حتماً لن تتمكَّن من المُضيِّ قُدُماً في كتابتك حتّى وإن كنت مُحترفاً؛ ففقدان الثِّقة بالنَّفس يُعدُّ عائقاً يحول بين المرء وبين أهدافه، ولعلّه من أبرز المخاطر التي تُهدِّد نجاحه إن لم يكن أبرزها على الإطلاق.
المنافسة الشَّديدة والسَّعي إلى الكمال
في عصر العولمة والإنترنت والذَّكاء الاصطناعيّ، بات أمر المنافسة قائماً على قدم وساق، وثابتاً لا جدال فيه ولا شكّ، وعلى الرَّغم من أنّ المنافسة قد تبدو مشكلة للبعض، إلّا أنّها قد تمثِّل الحلّ في الوقت نفسه؛ فالنَّظُم الحياتيَّة تختلف من مكان لآخر، ومن وقت لآخر، ومن اهتمام لآخر، وما لا يرضي ذوق شخص ما قد يرضي ذوق غيره بطبيعة الحال، وما لا يثير حفيظة شخص أو اهتمامه، قد يمثِّل ضرورة قصوى لغيره في مكان آخر.
كما أنّ السَّعي إلى الكمال مطلب لدى الجميع، وغاية يرجونها على اختلاف طباعهم وأهدافهم وميولهم، وهو أمر مشروع، إلّا أنّ السَّعي الحثيث نحوه، وبذل الجهد الكبير الذي قد يؤثِّر عليك جسديّاً ونفسيّاً لبلوغه، وعدم استطاعتك ذلك، لا يعني فشلك أو نقص القيمة الفعليَّة لعملك، بل قد يكون جاذباً للقُرّاء على النَّحو الذي يكون عليه حتّى وإن لم يصل إلى الكمال.
العُزلة
قد تعتقد أنّ العُزلة والابتعاد عن الآخرين يمنحك المقدرة على الكتابة الإبداعيَّة والاحترافيَّة بشكل أفضل، إلّا أنّ هذا مفهوم خاطئ؛ ذلك أنّ العزلة قد تؤدّي بك إلى الاكتئاب وبالتالي عدم المقدرة على إخراج أفكارك إلى حيِّز الوجود، هذا إن استطعت أن تأتي بأفكار جديدة، والإحساس بانعدام الطّاقة أو الرَّغبة في الكتابة أساساً.
أخطاء المحتوى
لا يخفى على عاقل أنّ النَّصّ المكتوب لا بُدّ أن يخلو من الأخطاء مهما كانت صغيرة؛ فالأخطاء من شأنها إضعاف جودة النَّصّ، وبالتّالي انصراف القُرّاء عنه، وقد تتضمَّن هذه الأخطاء عدم دقَّة المادَّة المعرفيَّة، أو عدم موثوقيَّة مصادرها، أو ضعف الصِّياغة وركاكتها، أو إقحام العامِّيَّة في النَّصّ، أو وجود الأخطاء اللُّغويَّة أو النَّحويَّة أو الإملائيَّة، أو رداءة الخطّ -إن كان النَّصّ مكتوباً بخطّ اليد-، أو الاستخدام الخاطئ لعلامات التَّرقيم، أو ما إلى ذلك من أخطاء قد تؤدّي بالنّصّ إلى الفشل قبل ظهوره إلى النور حتّى.
طرق فعّالة للتَّغلُّب على التَّحدِّيات الشّائعة في الكتابة
لكلّ مشكلة حلّ واحد على الأقلّ إن لم تكن الحلول كثيرة أصلاً، ولتجاوز التَّحدِّيات الشّائعة في الكتابة، يمكنك اتِّباع الطُّرق الآتي بيانها:
ثِق بنفسك
لا تخف، ولا تتوقَّع ما هو سيِّئ أبداً؛ وتأكَّد أنَّ الثِّقة بالنَّفس أمر داخليّ لا يمكن لأحد أن ينمِّيه داخلك إلّا أنت نفسك، فاحرص على المثابرة في سبيل تحقيق غاياتك، وشجِّع نفسك باستمرار، ولا تدع أيّ أمر يُؤثِّر عليها؛ فسعادتك وطموحك يعتمدان في المقام الأوّل على ثقتك بها، وقناعتك بقدرتها، وليس على أيّ شيء آخر.
ابحث عن الأفكار الجديدة ودوِّنها
اقرأ كثيراً، وابحث كثيراً، واعلم أنّ بإمكانك توليد الأفكار الجديدة من خلال مشاهداتك وملاحظاتك لكلّ ما حولك، وقراءتك وتعمُّقك في مختلف ميادين المعرفة، ممّا يجعل العديد من الأفكار الخلّاقة والإبداعيَّة التي من شأنها بناء نصّ قويّ تنبض في عقلك. واحرص دوماً على تدوين الأفكار التي تستخلصها ممّا تسمعه، أو تراه، أو تقرؤه؛ حتّى تتمكَّن من الاستفادة منها لاحقاً في كتاباتك.
استرِح قليلاً ولا تجبر نفسك على الكتابة
لجسدك عليك حقٌّ، ولنفسك الحقُّ كلُّه؛ فلا تُثقل عليهما، ولا تُكلِّفهما فوق طاقتهما لكتابة نصٍّ ما إن كنت تشعر بالتَّعب، أو الضَّجر، أو الملل، أو حتّى انعدام الرَّغبة في الكتابة أصلاً، بل خُذ نفساً عميقاً، وخصِّص لنفسك وقتاً للرّاحة والاسترخاء والاستجمام؛ كي تتمكَّن من العودة إليها نشيطاً مليئاً بالطّاقة والدّافعيَّة، ومُمتلِئاً بالأفكار الجديدة، وستندهش حينها فعلاً من قدرتك على كتابة نصٍّ إبداعيٍّ فريد.
تعامَل مع الانتقادات بإيجابيَّة
تذكَّر أنّ الثِّقة بالنَّفس سبيل لتحقيق النَّجاح إن تضامنت مع غيرها من المُقوِّمات، وهي سبيل للتَّعامل مع الانتقادات بإيجابيَّة؛ فلا تأخذها جميعها على محمل الجدّ، بل خذ منها ما كان موافقاً للحقّ والصَّواب، وأحِط نفسك دائماً بمن تثق بآرائهم؛ فيشجِّعونك إن أحسنت، ويرشدونك إن أخطأت.
اكتُب يوميّاً ولو قليلاً
في الحقيقة، تُعدّ استمراريَّة الشَّيء من أهمّ أسباب تحقيق الغاية المنشودة منه ولو كان أمد ذلك بعيداً؛ لذا احرص على كتابة ما تفكِّر به أو ما يجول في نفسك حتّى ولو كان مقدار الكتابة قليلاً؛ حتّى لا يشقّ عليك ذلك إن أنت غبت عنها طويلاً.
احرِص على التَّغيير
يمكنك الابتعاد عن الملل أو الرّوتين القاتل بتغيير تفاصيل صغيرة؛ كمكان الكتابة، أو الوقت المُخصَّص لها، أو أدواتها، أو أجوائها، أو تلك التَّفاصيل المرتبطة بها، واعلم أنّه لا بأس ببعض التَّغيير لتجديد نشاطك، ودافعيَّتك، وتقوية إرادتك على المواصلة والاستمراريَّة.
صَحِّح أخطاءك وعَدِّلها
من منّا لا يخطئ؟ ومن منّا ذاك الذي وصل إلى حدّ الكمال فأصبح خالصاً من الشَّوائب والأخطاء؟ ومن منّا قادر على تجنُّب مواطن الضَّعف والخلل برمّتها؟ لا أعتقد أنّ الإجابة على هذه الأسئلة مُتوفِّرة؛ لذا لا تجلد ذاتك، وتذكَّر أنّ الأخطاء وُجِدت لتصويبها وتصحيحها، وأنّ المعرفة مُتجدِّدة بطبيعتها، فما هو صواب اليوم، قد يكون بحاجة إلى تعديل في يوم آخر، فلا تخجل من تصويب أخطائك أو تعديلها، وخفِّف على نفسك وَهم الكمال.
ضَع أهدافاً واضحة قابلة للتَّحقيق
عمل بلا هدف لا جدوى منه؛ لذا لا تتردّد في تحديد هدفك أو أهدافك التي تودّ بلوغها بكتابتك، سواء كانت مادِّيَّة، أو معنويَّة، فلا فرق بين ذلك أو ذاك، ولكن تذكَّر أن تجعلها واضحة لك، وبالضَّرورة منطقيَّة يمكن تحقيقها؛ فالهدف الذي يستحيل تحقيقه قد يؤدّي بك إلى نتيجة غير مرضية، ممّا يؤدّي بالتّالي إلى شعورك بالإحباط والسَّلبيَّة، وانعدام الدّافعيَّة تبعاً لذلك.
أعطِ قيمة لعملك وفَكِّر خارج الصُّندوق
قدِّر قيمة عملك، واحذر من ذلك أشدّ الحذر؛ فلن تستطيع إقناع غيرك بقيمته ما لم تقتنع بذلك أنت نفسك، ولا تضيّق الخناق على عقلك وتفكيرك، بل فكِّر خارج الصُّندوق ولا تكن تقليديّاً كغيرك من النّاس، بل كُن مُتميِّزاً عليهم؛ حتّى ينبض عقلك بالأفكار الجديدة التي يمكنك أن تستلهمها وتستعين بها في بناء كتاباتك.
كُن اجتماعيّاً
من الجميل أن تشارك من حولك في مناسباتهم، واجتماعاتهم، ولقاءاتهم؛ الأمر الذي يُحفِّز مخيّلتك، ويغنيها بالجديد من الأفكار في كلّ مرّة، فلا تدع أيّ شيء يبعدك عن ذلك، واعلم أنّ الأوقات التي تنقضي لا تعود أبداً.
تدرَّب على الكتابة والصِّياغة السَّليمة
التُّدرُّب المُستمرّ على الكتابة والصِّياغة السَّليمة شأن دائم للكاتب الذَّكيّ المُبدع، فلا شكّ أنّ النَّصّ السَّليم الذي لا تشوبه الأخطاء مهما كان نوعها، وخاصَّة تلك المُتعلِّقة بالإملاء، أو النَّحو، أو الصِّياغة، أو اللُّغة، من أبرز أسباب نجاح الكاتب، وإقبال القُرّاء على كتاباته؛ لذا احرص على تطوير نفسك وتحسين كتابتك من خلال التَّعلُّم المستمرّ، وتذكَّر أنّ بإمكانك دائماً الاستفادة ممّا يقدِّمه مساعد اللُّغة الذَّكيّ: قلم من خدمات في هذا الشَّأن؛ لتحقيق أقصى درجات الإتقان لنصٍّ خالٍ من الأخطاء.